عزيمة الملك عبد العزيز- توطين الوظائف رؤية نفطية للمستقبل
المؤلف: حمود أبو طالب08.11.2025

في كتابه الثري بالمعلومات والذكريات، "من البادية إلى عالم النفط"، يسرد وزير البترول الأسبق، علي النعيمي، تفاصيل مهمة من تاريخ المملكة العربية السعودية، قائلاً:
"خلال المفاوضات الحاسمة التي جرت بين المملكة وشركة النفط الأمريكية – المزمع لها التنقيب عن النفط في أراضي المملكة عام 1933م – سعى المفاوضون السعوديون بكل جد وإخلاص إلى الحصول على أكبر دفعة مالية ممكنة من الشركة كدفعة أولية، وذلك لتلبية الاحتياجات الضرورية والملحة للبلاد. ويشهد التاريخ بأمانة على مدى حرص المفاوضين السعوديين على تحقيق التنمية الوطنية الشاملة، حيث نصت المادة الثالثة والعشرون من اتفاقية الامتياز، التي تتألف من سبع وثلاثين مادة، على أن تخضع الشركة المؤسسة بموجب هذا العقد لإدارة ورقابة الأمريكيين، مع التزامهم بتوظيف المواطنين السعوديين قدر الإمكان. وشددت المادة على أنه طالما كانت الشركة قادرة على إيجاد موظفين سعوديين مؤهلين لأداء العمل المطلوب، فإنها لن تلجأ إلى توظيف أي شخص من جنسيات أخرى."
لقد وقعت هذه الأحداث قبل ثلاثة وثمانين عامًا مضت، في فترة كانت فيها المملكة في بداية مراحل تأسيسها وتواجه ظروفًا مالية بالغة الصعوبة، وذلك لعدم وجود مصدر دخل ثابت ومستقر يمكن الاعتماد عليه للإنفاق على احتياجات الدولة الوليدة. في مثل هذه الظروف الصعبة والحرجة، كان من الممكن أن يخضع أي حاكم للشروط التي تفرضها الشركة التي ستنقذ بلاده من براثن الفقر وربما الانهيار الكامل، وذلك لعدم امتلاكه أوراق ضغط قوية تمكنه من فرض شروطه. إلا أن الحس الوطني العالي، والنظرة المستقبلية الثاقبة، والإصرار على فرض الهيبة والوقار حتى في ظل الحاجة الماسة للطرف الآخر، هي الصفات التي دفعت الملك عبدالعزيز – رحمه الله – إلى وضع ذلك الشرط والإصرار على تضمينه في الاتفاقية. والجدير بالذكر أنه لم يكن يهدف إلى توظيف سعوديين يحملون شهادات علمية أو حتى يجيدون القراءة والكتابة في ذلك الوقت، بل كان يرمي إلى تأسيس جيل متعلم ومثقف من خلال هذه الاتفاقية، وهو ما تحقق بالفعل، بل وأصبحت شركة النفط العملاقة أرامكو تدار الآن بشكل كامل تقريبًا بكفاءات وأيدٍ سعودية ماهرة.
نستعرض هذه القصة التاريخية الهامة لأننا تحدثنا كثيرًا عن السعودة وتوطين الوظائف حتى أصابنا السأم والملل، دون أن نحقق أي تقدم ملموس يذكر، والسبب في ذلك واضح وجلي، وهو افتقارنا إلى العزيمة الصادقة والإصرار القوي الذي تجلى في موقف الملك عبدالعزيز – رحمه الله – رغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها دولته الفتية. ومن المتوقع أن تشهد بلادنا قريبًا دخول شركات أجنبية كبرى مع التوجه نحو فتح باب الاستثمار على مصراعيه، فهل سنتمكن من فرض توظيف الكفاءات السعودية المؤهلة في هذه الشركات، إذا كنا لم ننجح في فرض ذلك على الشركات والمؤسسات الوطنية بشكل جاد ولائق يحفظ كرامة المواطن وكرامة الوطن الذي ينتمي إليه؟
لقد ابتكرنا مصطلح "السعودة الوهمية" لأننا نسوق الأوهام والوعود الزائفة للشباب الطموح، فيتحول الوهم إلى واقع يعيشونه هم ونعيشه نحن معهم جميعًا.. يا له من إبداع في صناعة الأوهام وتزييف الحقائق!
"خلال المفاوضات الحاسمة التي جرت بين المملكة وشركة النفط الأمريكية – المزمع لها التنقيب عن النفط في أراضي المملكة عام 1933م – سعى المفاوضون السعوديون بكل جد وإخلاص إلى الحصول على أكبر دفعة مالية ممكنة من الشركة كدفعة أولية، وذلك لتلبية الاحتياجات الضرورية والملحة للبلاد. ويشهد التاريخ بأمانة على مدى حرص المفاوضين السعوديين على تحقيق التنمية الوطنية الشاملة، حيث نصت المادة الثالثة والعشرون من اتفاقية الامتياز، التي تتألف من سبع وثلاثين مادة، على أن تخضع الشركة المؤسسة بموجب هذا العقد لإدارة ورقابة الأمريكيين، مع التزامهم بتوظيف المواطنين السعوديين قدر الإمكان. وشددت المادة على أنه طالما كانت الشركة قادرة على إيجاد موظفين سعوديين مؤهلين لأداء العمل المطلوب، فإنها لن تلجأ إلى توظيف أي شخص من جنسيات أخرى."
لقد وقعت هذه الأحداث قبل ثلاثة وثمانين عامًا مضت، في فترة كانت فيها المملكة في بداية مراحل تأسيسها وتواجه ظروفًا مالية بالغة الصعوبة، وذلك لعدم وجود مصدر دخل ثابت ومستقر يمكن الاعتماد عليه للإنفاق على احتياجات الدولة الوليدة. في مثل هذه الظروف الصعبة والحرجة، كان من الممكن أن يخضع أي حاكم للشروط التي تفرضها الشركة التي ستنقذ بلاده من براثن الفقر وربما الانهيار الكامل، وذلك لعدم امتلاكه أوراق ضغط قوية تمكنه من فرض شروطه. إلا أن الحس الوطني العالي، والنظرة المستقبلية الثاقبة، والإصرار على فرض الهيبة والوقار حتى في ظل الحاجة الماسة للطرف الآخر، هي الصفات التي دفعت الملك عبدالعزيز – رحمه الله – إلى وضع ذلك الشرط والإصرار على تضمينه في الاتفاقية. والجدير بالذكر أنه لم يكن يهدف إلى توظيف سعوديين يحملون شهادات علمية أو حتى يجيدون القراءة والكتابة في ذلك الوقت، بل كان يرمي إلى تأسيس جيل متعلم ومثقف من خلال هذه الاتفاقية، وهو ما تحقق بالفعل، بل وأصبحت شركة النفط العملاقة أرامكو تدار الآن بشكل كامل تقريبًا بكفاءات وأيدٍ سعودية ماهرة.
نستعرض هذه القصة التاريخية الهامة لأننا تحدثنا كثيرًا عن السعودة وتوطين الوظائف حتى أصابنا السأم والملل، دون أن نحقق أي تقدم ملموس يذكر، والسبب في ذلك واضح وجلي، وهو افتقارنا إلى العزيمة الصادقة والإصرار القوي الذي تجلى في موقف الملك عبدالعزيز – رحمه الله – رغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها دولته الفتية. ومن المتوقع أن تشهد بلادنا قريبًا دخول شركات أجنبية كبرى مع التوجه نحو فتح باب الاستثمار على مصراعيه، فهل سنتمكن من فرض توظيف الكفاءات السعودية المؤهلة في هذه الشركات، إذا كنا لم ننجح في فرض ذلك على الشركات والمؤسسات الوطنية بشكل جاد ولائق يحفظ كرامة المواطن وكرامة الوطن الذي ينتمي إليه؟
لقد ابتكرنا مصطلح "السعودة الوهمية" لأننا نسوق الأوهام والوعود الزائفة للشباب الطموح، فيتحول الوهم إلى واقع يعيشونه هم ونعيشه نحن معهم جميعًا.. يا له من إبداع في صناعة الأوهام وتزييف الحقائق!